ومن الأدلة على البعث ما يحصل للأرض من الحياة بالنبات، أنت ترى الأرض ميتة ليس فيها نبات جرداء، ثم إن الله سبحانه وتعالى ينزل عليه المطر، ثم ينبت النبات الذي كان هشيما ميتا، كذلك الأجسام في الأرض كانت مخزنة في الأرض فينزل الله عليها مطرًا، ثم تنبت الأجسام وتتكامل، ثم تنفخ فيها الأرواح، فأنتم ترون الأرض كيف تكون قاحلة، ثم تحيا بما نبت فيها، الله جل وعلا هو الذي يحيي الأرض بعد موتها: / وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ / [فصلت: 39] فالذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها لأن الكل أحياء بعد الموت.
ومن الأدلة على البعث أنه لو لم يكن هناك بعث للزم أن يكون خلق الناس عبثا حيث إنهم يعيشون منهم المطيع المتقي المؤمن بالله ورسله، ومنهم الكافر الملحد والزنديق والجبار والمتكبر والعاصي، كلهم يعيشون ثم يموتون دون أن ينال هذا المؤمن شيئًا من جزائه أو ينال هذا الكافر وهذا الزنديق وهذا الملحد وهذا الطاغية المتجبر على الناس دون أن ينال جزاءه.
فهل يليق بالله أن يترك الناس هكذا دون أن يجازي أهل الإيمان بإيمانهم، وأهل الإحسان بإحسانهم، وأهل الإجرام والكفر بإجرامهم وكفرهم؟ هذا لا يليق بحكمة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: / وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى / [النجم: 31] هذا لا يكون إلا في يوم القيامة وكذلك في قوله سبحانه: / أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ / [الجاثية: 21] .
وقال سبحانه وتعالى: / أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ/ [ص: 28] وقال سبحانه وتعالى: / أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ / [المؤمنون: 115] وقال تعالى: / أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى /أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى /ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى / فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى / أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى / [القيامة: 36 - 40] ورد على الكافر الذي قال: / مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ /بقوله: / قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ /الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ / [يس: 78 - 80] الذي قدر على إخراج النار المحرقة من الشجر الأخضر الرطب الذي قدر على هذا ألا يقدر على إحياء الأموات.
ومن أدلة البعث الاستدلال بخلق السماوات والأرض فالذي خلق هذه المخلوقات الهائلة العظيمة الكبيرة قادر على أن يعيد الإنسان؛ لأن القادر على الشيء العظيم يقدر على ما دونه من باب أولى.
قال تعالى: / أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ / [يس:81] . وقال تعالى: / لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ / [غافر: 57] .
فهذه أدلة البعث التي تثبت أن الله سبحانه وتعالى يبعث من في القبور، وأنه يجازي كل عامل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرا فشر، فليكفر الكافر وليفسق الفاسق والزنديق والملحد فإن أمامه البعث والنشور والجزاء والحساب، أما المؤمن المتقي الذي يعبد الله ويتقرب إلى الله فإن عمله لن يضيع، فإن هناك موعدًا يوفيه الله فيه عمله ويضاعف له أجره ويعطيه ما لم يقع في ظنه وحسبانه.