/ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ /أكمل الله الدين لهذه الأمة إلى أن تقوم الساعة لكل زمان ولكل مكان ولكل جيل من الناس وفيها رد أيضا على المبتدعة الذين يحدثون عبادة من عند أنفسهم وينسبوها إلى الدين وليس لها دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإنما ابتدعوها باستحسانهم أو بتقليدهم لمن يحسنون به الظن من المخرفين وأصحاب المطامع والشهوات، فيحدثون في الدين عبادة ما أنزل الله بها من سلطان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: / من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد / [1] وقال عليه الصلاة والسلام: / وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة / [2] .
فالذي يحدث عبادات ليس لها دليل من كتاب الله ولا من سنة رسول الله فإنه متهم لهذا الدين بعدم التمام، وهو يريد أن يكمل الدين من عنده، ولا يعترف بتكميل الله له، فما لم يكن دينًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون من بعده دينًا أبدًا، فهذا رد على هذه الطوائف، الطائفة التي تقول: إن الإسلام لا يصلح لكل زمان، أو الذين يبتدعون البدع المحدثات التي ليس لها دليل من كتاب الله وسنة رسوله وينسبونها إلى الدين ففي هذه الآية رد عليهم لأن الدين أكمله الله سبحانه وتعالى.
فلا مجال للزيادة فيه، ولا النقصان، ولا مجال للتشكيك والتلبيس بأنه لا يصلح لأهل الزمان المتأخر: /الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ /هذا كلام الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين وقال تعالى: / وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا /هذا آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شهادة من رب العاملين لهذا الدين بالكمال والشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان.
فقوله تعالى خطاب لهذه الأمة من أولها إلى آخرها ليس خطابًا للجيل الأول فقط إنما هو خطاب لكل الأمة إلى أن تقوم الساعة.
أما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وفاته صلى الله عليه وسلم لم يخالف في هذا إلا المخرفون الذين يقولون: إن الرسول ما مات، وينفون الموت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا كلام ساقط كلام مردود واضح، يرده الحس والواقع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي بين أصحابه وغسل وكفن وصلي عليه ودفن عليه الصلاة والسلام، هل هذه الأعمال تعمل مع إنسان حي؟! عومل صلى الله عليه وسلم معاملة الأموات غسل وكفن وصلي عليه ثم دفن صلى الله عليه وسلم في قبره.
هذه سنة الله عز وجل في خلقه، ثم أين الرسل الذين من قبله؟ سنته سنة الرسل الذين من قبله وقد ماتوا وهو واحد منهم يموت، هذا بإجماع أهل السنة والجماعة ولم يخالف في هذا إلا المخرفون الذين يتعلقون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويستغيثون به من دون الله ويقولون: هو حي.
والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: / إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ /ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ/ [سورة الزمر: 30 - 31] [69] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[69] النبي صلى الله عليه وسلم لما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة توفاه إليه كما هي سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه: / كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ / [آل عمران: 185] والأنبياء والرسل داخلون في هذا العموم: / كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ /فالنبي صلى الله عليه وسلم قد توفي وانتقل من هذه الدنيا إلى ربه عز وجل، وهذا ثابت بالنص
(1) سلف تخريجه ص 8.
(2) سلف تخريجه ص 71.