الصفحة 65 من 141

والمشيئةُ والإرادةُ واحدةٌ عند المتكلِّمين خلا الكرَّاميَّة (1) فإنهم قالوا: المشيئةُ: صفةٌ أزليَّةٌ واحدةٌ لله تعالى، وإرادتُه حادثةٌ في ذاتِه متعدِّدةٌ على عَدَدِ المُرادات، يُحدِثُ كلَّ إرادةٍ منها قبلَ حدوثِ ما هو المرادُ بها، ثم يُعقِبُها حدوثَ ما هو المرادُ بها، وهو باطلٌ، لأن الإرادة لو حدثت في ذات الباري لكان محلَّاً للحوادث، وهو يؤدِّي إلى القول بحدوث الباري، وهو باطلٌ بالاتفاق.

وذهبت المعتزلةُ إلى أن إرادتَه قائمةٌ بذاتها حادثةٌ لا في محلّ، وهو محالٌ، لأن وجودَ كلّ مُحدَثٍ موقوفٌ على تعلّقِ الإرادة به، فلو كانت الإرادةُ مُحدَثةً احتاجت إلى إرادةٍ أخرى ولَزِمَ التَّسلسُلُ. وأيضاً فإن الإرادةَ الحادثةَ صفةٌ، وقيامُ الصفة بنفسها غيرُ معقول.

وفسَّرَها الكَعْبيُّ (2) بأنه إذا وُصِفَ الله تعالى بالإرادة، فإنْ كانَ ذلك فِعْلَه فمعناه أنه فَعَلَ وهو غيرُ سَاهٍ ولا مُكرَهٍ ولا مُضْطَرٍ، وإن كان فِعْلَ غيرِ الله فمعناه أنه أمَرَ به. وهو مبنيٌّ على أن الإرادةَ مدلولُ الأمرِ، وقد مرَّ بطلانُه.

(1) في (ج) و (ب) : «خلافاً للكرامية» ، والمثبت من (ص) و (ف) .

(2) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكَعبي (ت319) ، وإليه تُنسَب الكَعبيَّة، قال الأستاذ عبد القاهر البغدادي في «الفرق بين الفِرَق» ص181: كان حاطِبَ ليلٍ، يدَّعي في أنواع العلوم على الخصوص والعموم، ولم يَحظَ في شيءٍ منها بأسراره، ولم يُحِط بظاهره فضلاً عن باطنه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام