الصفحة 57 من 141

ولأن الإيمانَ هو التصديقُ، والكفرَ هو التكذيبُ، ومَن ارتكبَ كبيرةً كان التصديقُ معه باقياً، وما دام التصديقُ موجوداً كان التكذيبُ معدوماً لتضادِّهما، فبطلَ القولُ بكفرِه والتكذيبُ معدومٌ، أو بزوالِ الإيمان والتصديقُ موجودٌ، أو بثبوتِ النِّفاق والتصديقُ في القلب باقٍ، ولأنَّ الفِسقَ في اللغة الخروجُ، فمَن خرجَ عن ائتمارِ أمرٍ من أوامر الله تعالى يكون فاسقاً، والعِصيانُ مخالفةُ الأمرِ فِعلاً لا جُحوداً وتكذيباً، وليس من ضرورةِ مخالفة الأمر والخروجِ عن الائتمار التكذيبُ، فكان التصديقُ باقياً، فكان مؤمناً ضرورةً، والأخذُ بالمُتَّفق عليه وتَرْكُ المختلف فيه (1) خروجٌ عن جميع أقاويل السلف فكان باطلاً.

وإذا ثبت بقاءُ الإيمان فنقول: إنه يدخل الجنَّةَ لا محالةَ لقوله تعالى: ?إنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً? [الكهف: 107] ، وصاحبُ الكبيرة مؤمنٌ وقد عَمِلَ الصالحات.

والجواب عمَّا تمسَّكوا به أنَّ الأصلَ عندنا أنَّ ما وردَ من الآيات في الوعيد مقروناً بذِكرِ الخلود فهو في المُستَحلِّين لذلك، لِمَا أنهم كفروا باستِحلالِهم ذلك فأُوعِدوا على كُفرِهم في الحقيقة. وقد قيل في قوله تعالى: ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّدَاً? [النساء: 39] أي: متعمِّداً لإيمانه، أي: قصَدَ قتلَه لأجل أنه مُؤمِنٌ، ومَن هذا قَصْدُه يكون كافراً، فأما مَن لم يقصِد لإيمانه فحكمُه ما مرَّ في قوله تعالى: ?يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ في القَتْلَى? [البقرة: 178] .

[العمل ليس جزءاً من الإيمان]

(1) تحرَّف في (ج) و (ب) إلى: «والأخذ بالمختلف فيه وترك المتفق عليه» .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام