وذهب الخوارجُ إلى أن مَن عصى صغيرةً أو كبيرةً فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار، لقوله تعالى: ?وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فيها? [النساء: 14] ، والذنوبُ كلّها في تحقيق اسم العِصيان واحدةٌ، وقال تعالى: ?وَاتَّقُوا النَّارً التي أُعِدَّتْ للكَافِرِينَ? [آل عمران: 131] ، فلمَّا كانت للكافرين فكُلّ مَن أُوعِدَها فهو كافرٌ، فثبتَ بمجموع الآيتَين أن العاصي كافرٌ، وحُكمُه الخلودُ في النار.
وقالت المعتزلةُ: إن كانت المعصيةُ كبيرةً فاسمُ مُقترفِها الفاسقُ لا المؤمن ولا الكافر، فيخرجُ بها عن الإيمان ولا يدخلُ في الكفر، فيكون له منزلةٌ بين منزلتَين، لأن الناس اختلفوا في تسميته، فالسُّنيَّةُ قالوا: إنه مؤمنٌ بما معه من التصديق فاسقٌ بما اكتسب من الذنب. والخوارج قالوا: إنه كافرٌ وهو فاسقٌ، والحسنُ البصريُّ قال: إنه منافقٌ لمخالفةِ فِعلِه قولَه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من علاماتِ النِّفاق: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا وعدَ أخلَفَ، وإذا حدَّثَ كذبَ» (1) ، وهو فاسق، فاتَّفق الكلّ على إطلاق اسم الفاسق، واختلفوا فيما وراء ذلك، فأخذنا بالمتَّفَقِ عليه، وتركنا المُختَلَفَ فيه، وحكمُه أنه يُخلَّدُ في النار إن مات بغير توبةٍ، لقوله تعالى: ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنَاً مُتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيهَا? [النساء: 39] .
(1) أخرجه البخاري (33) و (2682) و (3749) و (6095) ، ومسلم (59) ، والترمذي (2631) ، والنسائي 8: 116 (5021) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي 8: 117 (5023) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (34) و (2459) و (3178) ، ومسلم (58) ، وأبو داود (4688) ، والترمذي (2633) ، والنسائي 8: 116 (5020) من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: «أربع مَن كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ... » وزاد: «وإذا خاصَمَ فَجَرَ» .