الصفحة 54 من 141

فذهب أهلُ السنة إلى أنه لا يخرج من الإيمان لبقاء التصديق، والعاصي إذا مات بغير توبةٍ فهو في مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وأدخَلَه الجنَّةَ بفضلِه وكَرَمِه، أو ببركةِ ما معه من الإيمان والطاعات، أو بشفاعةِ بعض الأخيار، وإن شاءَ عذَّبَه بقدرِ ذنبِه صغيرةً كان أو كبيرةً، ثمَّ عاقبةُ أمرِهِ الجنَّةُ، ولا يُخلَّد في النار (1) .

وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يُسمَّى مرجئاً لتأخيره أمرَ صاحب الكبيرة إلى مشيئة الله تعالى، والإرجاءُ هو التأخيرُ، وكان يقول: إني لأرجو لصاحب الذنب الصغير والكبير، وأخافُ عليهما (2) .

(1) قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على «الفقه الأكبر» ص72: وعدُّ مَن جعل مرتكبَ الكبيرة تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه بها، من أهل الضلال، لا يكون إلا من المعتزلة أو الخوارج أو مَن سارَ سيرَهم وهو غيرُ شاعر.

(2) انظر في الكلام على إرجاء أبي حنيفة وأنه محضُ السُّنَّة «تأنيب الخطيب» للعلامة الكوثري ص62 وما بعدها، و «الرفع والتكميل» للعلامة اللكنوي ص352 ــ 373 مع تعليق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عليه، وتدبَّر كلمة الذهبي في ترجمة مسعر بن كدام من «الميزان» : الإرجاءُ مذهبٌ لعدَّةٍ من جِلّة العُلماء لا ينبغي التحامُلُ على قائله.

أما الإرجاء البِدعيُّ المذموم فهو الاعتقاد بأنه لا يضرّ مع الإيمان ذنبٌ كما لا تنفعُ مع الكفر طاعةٌ، والإمام أبو حنيفة وأصحابه بريئون من هذا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام