قال المناوي رحمه الله: وقضية هذا الحديث، أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق، وأن المؤمن المطيع، لا ينضم عليه، وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ، وقوله (لو نجا أحد من ضمة القبر، لنجا سعد) خلافه، ويمكن الجواب، بأن المؤمن الكامل، ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعاً، والمؤمن العاصي، يطول ضمه، ثم يتراخى عنه بعد، وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم، وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين، ويزول التعارض من البين، فتدبره فإني لم أره.
قلت: هذا الجمع بين هذا الحديث، وبين حديث"لو نجا أحد من ضمة القبر، لنجا سعد"الدال على أن ضمة القبر شاملة لكل أحد براً، أو فاجراً. جمع جيد، لو صح الحديثان، غير أن هذا الحديث لم يصح، فلا يعارض الحديث الآخر، لأن التعارض إنما يكون بين الأحاديث المقبولة، وبناءاً على هذا فإن ضمة القبر، نائلة كل أحد، إلا أنها مختلفة الإعتبار، فهي عذاب في القبر في حق الكافر والمنافق، وليست عذاباً في حق المؤمن المطيع، ولا تستطيع أن تقول إنه ينضم عليه القبر، ثم ينفرج عنه سريعاً، فإن هذا الأمرَ إلى الله، وعلمه عنده.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: قلت: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن، كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وأما سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار ونحو ذلك، فهذه الاراجيف كلها قد تنال العبد، وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك، أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه.
المبحث الثالث
رد الروح إلى الميت لسؤاله
الحديث الأول:-
[ح 83]