قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه - صلى الله عليه وسلم -، رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حياً، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة وهذا كله ممكن لا إحالة في شيئٍ منه، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجِد منهم من لم يتغير في قبره من السنين، كما ذكرنا. وإذا كان هذا في الشهداء، كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإن قيل: كيف يصلون بعد الموت وليست تلك الحال تكليف؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حُبِّب لهم عبادة الله، والصلاة، بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عرفوا به، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة، لا تكليفية، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضي الله عنه، فإنه حببت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحداً يصلى لك في قبره، فأعطني ذلك. فرآه مُلحده، بعدما سوِّى عليه لحده قائماً يصلي في قبره. (__)
المبحث الحادي عشر
من لايأكلُ الأرضُ جَسَدَه
قال البيهقي رحمه الله: والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم، كالشهداء، وقد رأى نبينا - صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم ليلة المعراج، وأمر بالصلاة عليه والسلام عليه، وأخبر وخبره صدق، أن صلاتنا معروضة عليه، وأن سلامنا يبلغه، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. (__)
الحديث الأول:
[ح 167]