فهرس الكتاب
الصفحة 34 من 123

وهذه المناظرة التي ناظر بها السنيُّ ذلك المبتدعَ مثالٌ للجدال بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [1] ، ولقد كان الأساس العلمي لهذه المناظرة قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [2] الدال على اكتمال الدين زمن الوحي، وقول الله تعالى: {يأيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [3] الدال على لزوم تبليغ الرسالة؛ ونحن نشهد أن الدين قد اكتمل بانقطاع الوحي، ونحن نشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة عن ربه، كما شهد مائة ألفٍ من الصحابة في حجة الوداع، وهذا يقتضي أنه ليس شيء من أمر الدين إلا وقد بلَّغه صلى الله عليه وسلم الصحابة، وهم بدورهم بلّغوه من بعدهم، تماماً كما وصلتنا شعائر الدين وعباداته كاملة عن طريقهم، فمن الممتنع شرعاً وعقلاً أن يكون شيء من أمر الدين لم يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده لسببين: السبب الأول أن وقوع هذا معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم - حاشاه - لم يبلغ عن ربه وهذا باطل، والسبب الثاني أن افتراض أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ والصحابة قد ضيعوا معناه أن الوحي والذكر غير محفوظ، وهذا ممتنعٌ أيضاً لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [4] . فإذا تبين هذا تبين أن أي أمر أُحدث في الدين لم ينقل عن الصحابة أنهم تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردود ولا علاقة له بالدين ولا يصح اعتقاده أو التعبد به ناهيك عن حمل الناس عليه وامتحانهم به، تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [5] ، فهو صريح في هذا الباب.

وقوله (هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أو لم يعلموها؟) : هذا السؤال هو مقتضى القسمة العقلية؛ فإن الأمر الذي يدعو إليه المبتدع ويزعم أنه من الدين إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون المهديون قد علموه أو لا، فإن قال المبتدع: لم يعلموه! فقد ادعى أنه اهتدى إلى أمرٍ في الدين لم يهتد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، وإلا فإنه على ضلالة، وهذا كما أخرج ابن وضاح عن الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة: أن رجلاً كان يجمع الناس فيقول: رحم الله من قال كذا وكذا مرة سبحان الله، قال: فيقول القوم. فيقول: رحم الله من قال كذا وكذا مرة: الحمد لله، قال: فيقول القوم. قال: فمر بهم عبد الله بن مسعود فقال:"لقد هُديتم لما لم يهتد له نبيكم، أو إنكم لمتمسكون بذنبٍ ضلالة"،

(1) النحل - 125

(2) المائدة - 3

(3) المائدة - 67

(4) الحجر - 9

(5) متفق عليه - البخاري - 2550، ومسلم 1718

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام