فهرس الكتاب
الصفحة 25 من 123

ومثال الفعل والترك ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" [1] ، فالقيام مثال الفعل، وعدم الاستظلال أو الكلام مثال الترك، وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفات المحدثة التي أدخلت على عبادة الصوم لأنه هذه الصفات غير مشروعة وإن قُصد به التقرب إلى الله، فتأمل فإن النية وحدها شرط لازمٌ غير كافٍ لقبول الأعمال.

وكون الداعي موجوداً والمانع مفقوداً زمن النبوة احتراز مما لم يتوافر الداعي لفعله أو وجد المانع الذي يمنع من فعله زمن النبوة؛

فمثال الأول: الغلو في التعبير عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الداعي له موجوداً زمن النبوة إذ كان الصحابة أشد الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يشرع الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح إحداث هذا التعبير بعد زمن النبوة بحجة حب الرسول صلى الله عليه وسلم،

وأما توضيح الأمر الثاني وهو عدم وجود المانع زمن النبوة فمثاله جمع القرآن فإنه ليس ببدعة رغم أنه لم يفعل زمن النبوة لوجود المانع من الجمع وهو استمرار تنزل الوحي، فلما انقطع الوحي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم زال المانع وكان التقرب إلى الله بهذا العمل العظيم.

وقوله صلى الله عليه وسلم (وكل بدعةٍ ضلالة) أي: البدعة الاصطلاحية، ولا يدخل في هذا الذم البدعة بمعناها اللغوي أو استعمال لفظ البدعة على سبيل التوسع حيث وردت في كلام بعض أهل العلم ويصفونها بالحسنة، إذ أنه عند التدقيق تجد أن ما يصفونه بالبدعة الحسنة لا يدخل في التعريف الاصطلاحي للبدعة المذمومة لأن أهل العلم الذين يصفون البدعة بالحسنة على اصطلاحهم إنما يصفون ما يقوم على دليل شرعي صحيح، وما كان له دليل شرعي صحيح ليس ببدعة ضلالة، فتبين أن الخلاف هنا خلاف لفظي اصطلاحي ولا مشاحة في الاصطلاح، فتأمل هذا.

(1) صحيح البخاري - 6326

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام