فهرس الكتاب
الصفحة 116 من 123

وقوله (وجبت طاعته) أي: استقر له وصف الإمامة الكبرى التي تستوجب الطاعة فيما لا معصية فيه.

وقوله (وحرمت مخالفته) أي: لا يجوز مخالفته فيما ليس فيه معصية.

وقوله (والخروج عليه) أي: بالسيف والقوة، وهو ما استقر عليه الأمر عند أهل السنة فلا يخرج على الإمام المسلم الفاسق درءاً للمفسدة الكبرى من التهارج وسفك الدماء وترويع الأمن، وهذا لا يمنع من مناصحته والإنكار عليه بالقلب واللسان ابتغاء الإصلاح لا ابتغاء الفتنة.

وهنا مسألة مهمة وهي الفرق بين ترك الخروج على الحاكم المسلم الفاسق وبين ترك الخروج على الحاكم الكافر أو المرتد؛ والفرق بينهما:

-أن ترك الخروج على الحاكم المسلم الفاسق يبقى معه عقد الإمامة فلا يحل للمسلم أن ينفك عنها وإلا مات ميتة جاهلية، ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"إنه يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتُنكرون، فمن كرِه فقد برئ، ومن أنكر فقد سلِم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلُّوا لكم" [1] ، قال النووي رحمه الله:"أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام"، قلت: فذكر الصلاة ليس للحصر، بل هو إشارة إلى بقاء وصف الإسلام لهم، والحاصل أن الخروج على الحاكم المسلم الفاسق لا يجوز أصلاً والبيعة صحيحة ملزمة، وللمسلمين نفعه وعليه فسقه،

-وأما ترك الخروج على الحاكم الكافر أو المرتد فليست لهذا الحاكم بيعة أصلاً وترك الخروج عليه ليس هو الأصل ولكن مردُّه إلى المصلحة الشرعية لجماعة المسلمين من حيث حقن دمائهم، وعليهم أن يعملوا على استكمال أسباب القوة التي تعين على قهره بأقل ضرر ممكن على المسلمين، ولكن لا يجوز أن يعتقدوا إمامته أو بيعته، قال القاضي عياض:"أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها"، وقال القاضي:"فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر"، فقوله رحمه الله"إن أمكنهم"يدلك على أن ترك الخروج مرده إلى الاستطاعة، وأنه تركٌ مؤقت ريثما تتحقق الاستطاعة، وأن المسلمين مخاطبون بأخذ أسباب ذلك، وبهذا يتبين لك الفرق بين ترك الخروج على الحاكم المسلم الفاسق فهو لعدم الجواز أصلاً والبيعة باقية وملزمة، وبين الخروج على

(1) صحيح مسلم - حديث 1854

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام