قول المصنف رحمه الله (ومِن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: من الدين، فالسنة هنا بمعنى الدين لا بمعنى النافلة، و (التولي) من الموالاة أي: النصرة، وهي بالقلب محبتهم وباللسان ذكر محاسنهم وفضلهم والذب عنهم، وبالأركان الاقتداء بهم.
وقوله (ومحبتهم) أي: أن محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين، قال صلى الله عليه وسلم:"آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار" [1] .
وقوله (وذكر محاسنهم) أي: الانشغال بذكر مناقبهم والتعرف عليها فإن ذلك مما يزيد المرء حباً لهم ويزيده إيماناً بالله حيث اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الصحبة الفاضلة.
وقوله (والترحم عليهم) أي: الدعاء لهم بالرحمة، وهذا من قبيل مقابلة الإحسان بمثله، فإن الله تعالى بلغنا رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم - وهي الرحمة المهداة - عن طريقهم، فكان من الإحسان لهم أن ندعو لهم بالرحمة كذلك.
وقوله (والاستغفار لهم) أي: طلب المغفرة عما قد زلوا به وهو قليل في مقابل فضلهم وإحسانهم، وفيه فائدة أننا لا نعتقد العصمة لأحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، فلا عصمة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل، خلافاً لبعض المبتدعة الذين يعتقدون العصمة في من يسمونهم الأئمة بل ويجعلونهم فوق مراتب الأنبياء نسأل الله السلامة من ذلك.
وقوله (والكف عما شجر بينهم) أي: أننا نترك الخوض فيما اجتهدوا فيه من مسائل السياسة الشرعية فأداهم إلى الاختلاف، فإن ما شجر بين الصحابة منهم من خاض فيه باجتهاده في طلب الحق فهم فيه بين صاحب الأجر والأجرين، ومنهم من اعتزل ذلك ولم يخض في إحدى الطائفتين فالأولى بنا أن نعتزل تلك الفتن ولا نخوض فيها، لا سيما خوض الجاهلين وأهل الأهواء المبتدعين الذين أرادوا أن يتسللوا من هذا الباب لهدم الدين، وقد تقدم معنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في سبطه الحسن رضي الله عنه حيث قال:"ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" [2] ، وقد كان هذا الإصلاح بين الفريقين وقد سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين فما لنا والخوض في ما وراء ذلك؟ وما قصد من يريد إثارة الفتنة بعد أن
(1) صحيح البخاري - حديث 17، وصحيح مسلم - حديث 74
(2) صحيح البخاري - حديث 3430