في مسألة واحدة كفر وظلم وفسق مخرج من الملة بنص القرآن في فعل اليهود، وذلك لأن قبول حكم الله تعالى والانقياد له جملة شرط في صحة الإيمان، وذلك لأن الإيمان في مذهب أهل الحق قول وعمل واعتقاد ولابد فيه من القبول والانقياد، فكما يجب على الخلق أن يصدقوا الرسل عليهم السلام فيما أخبروهم به، فإنه يجب عليهم أن يطيعوهم فيما أمروهم به، فلا يتحقق الإيمان مع ترك الانقياد والطاعة، قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) [1] ، والكفر ليس هو التكذيب فقط، بل قد يكون امتناعا عن اتباع الرسول فيما بلغ من شرع مع الإقرار بصدقه [2] ، ويسمى هذا الكفر كفر الإعراض، وعلى هذا يكون من ترك الحكم بما أنزل الله كافرا مرتدا وإن كان مقرا بهذا الحكم نظريا، لأن الإيمان يقتضي وجوب الانقياد والطاعة والإذعان لحكم الله تعالى، ولذلك يقول إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام رحمه الله: وقد أجمع العلماء على أن من دفع شيئا أنزله الله وإن كان مقر بما أنزل الله أنه كافر [3]

ويقول أبو بكر الجصاص رحمه الله عند قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلملوا تسليما) : وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم [4]

ويقول الشيخ محمد قطب حفظه الله: كيف نزعم لأنفسنا أننا آمنا بأنه لا إله إلا الله - أي لا معبود إلا الله، ولا حاكم إلا الله - إذا كنا نقول - بلسان الحال أو بلسان المقال - إنك يا رب قد قلت إن الربا حرام أما نحن فنقول إنه مدار الحياة الاقتصادية المعاصرة ولا يقوم الاقتصاد إلا به، ولذلك فنحن نقره ونتداوله ونجعله هو الأصل في تداول المال! وإنك يا رب قد قلت إن الزنا حرام وحددت له عقوبة معينة في كتابك المنزل وفي سنة رسولك، أما نحن فنرى أنه ليس هناك جريمة تستحق العقاب أصلا إذا تم الأمر برضى الطرفين ولم تكن المرأة قاصرا، وإذا وقعت - من وجهة نظرنا - جريمة فعقوبتها عندنا أمر آخر غير ما قررت! وإنك

(1) سورة النساء، الآية: 64.

(2) انظر السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل 1/ 347 ,348، درء تعارض النقل والعقل 1/ 242. الصارم المسلول / 4.

(3) راجع: التمهيد لابن عبد البر ج4/ 226، الصارم المسلول / 4.

(4) أحكام القرآن للجصاص ج3/ 181.