فهرس الكتاب
الصفحة 44 من 127

قال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) [1]

فهذه الآية تبين بجلاء ووضوح أن سببا رئيسيا في كفر أهل الكتابين من قبلنا هو طاعتهم للأحبار والرهبان في التحليل والتحريم ونبذ حكم الله تعالى، وهذا الحكم ثابت في حق كل من أعطى لغير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حق الطاعة المطلقة، وهذا هو عين ما يفعله الطواغيت في برلماناتهم الشركية، فإنهم يعطون بعض البشر حق التشريع للناس من دون الله تعالى، ويلزمون الناس بطاعة هذه التشريعات ويحرمون معصيتها، بل ويعاقبون من خرج عليها أو تمرد على تنفيذها.

ولئن كان أهل الكتابين من قبلنا قد كفروا بطاعتهم للعلماء - أي الأحبار - والعُباد - أي الرهبان - في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فكيف بمن أطاع العلمانيين أو الملحدين أو الفاسدين أو من لا يحسن تلاوة القرآن ولا يعرف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بالطبع عالما ولا عابدا.

فلا شك أن من أعطى هؤلاء أو غيرهم حق التشريع من دون الله تعالى - تحت أي مسمى من المسميات - فقد كفر بالله تعالى وخرج عن ملة الإسلام.

إن طواغيت البشر - قديما وحديثا - قد نازعوا الله في حق الأمر والنهي والتشريع بغير سلطان من الله تعالى، فادعاه الأحبار والرهبان لأنفسهم فأحلوا به الحرام وحرموا به الحلال واستطالوا به على عباد الله وصاروا بذلك أربابا من دون الله، ثم نازعهم الملوك في هذا الحق حتى اقتسموا السلطة مع هؤلاء الأحبار والرهبان، ثم جاء العلمانيون فنزعوا الحق من هؤلاء وهؤلاء ونقلوه إلى هيئة تمثل الأمة أو الشعب أطلق عليها اسم البرلمان أو مجلس النواب [2]

قال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم) ، روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما

(1) سورة التوبة، الآية: 13.

(2) راجع نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية لصلاح الصاوي /19 20.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام