فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 127

قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [1]

فهذه الآية خطاب لأهل الكتاب جميعا أن يجتمعوا هم والمؤمنون على كلمة سواء وهي توحيد الله تعالى وعلى دينه الحق الذي لا يقبل من أحد دينا سواه، وإن أصل هذا الدين الأصيل هو إفراد الله تعالى بالطاعة والانقياد وعدم الإشراك به في ذلك، وألا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، والمقصود بهذه الربوبية ليس هو اعتقاد خلق الكون وتدبير أمره، ولكن المقصود بهذا أن لا يخضع الناس بعضهم لبعض خضوع عبادة وطاعة كما يخضعون لربهم عز وجل، والآية الكريمة تبين أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم والتشريع - الربوبية - فقد اتخذه ربا وإلها وأشركه مع الله تعالى، وهذه أحد المناطات المكفرة في مسألة الحكم والتشريع.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها: قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب) الخطاب في قول الحسن وابن زيد والسدي لأهل نجران، وفي قول قتادة وابن جريج وغيرهما ليهود المدينة، خوطبوا بذلك لأنهم جعلوا أحبارهم في الطاعة لهم كالأرباب ... إلى قوله:

قوله تعالى (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) أي لا نتبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلا فيما حلله الله تعالى، وهو نظير قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ، معناه أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه الله ولم يحله الله ... إلى أن قال القرطبي رحمه الله:

(فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ، أي متصفون بدين الإسلام منقادون لأحكامه معترفون بما لله علينا في المن والإنعام، غير متخذين أحدا ربا لا عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة، لأنهم بشر مثلنا محدث كحدوثنا، ولا نقبل من الرهبان شيئا بتحريمهم علينا ما لم يحرمه الله علينا، فنكون

(1) سورة آل عمران، الآية: 46.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام