فهرس الكتاب
الصفحة 77 من 127

قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [1]

وهذا نص واضح على أن الأحكام لا تخرج عن أن تكون حكم الله تعالى الحق الذي أنزله من فوق سبع سموات وضمنه كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو النور والهدى الذي أنزله الله تعالى، وهو الكتاب الذي من تبعه فاز ونجا في الدنيا والآخرة، وكذلك ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم ونقله الثقات الأثبات، فهذا القسم من الأحكام هو الذي أمر الله تعالى باتباعه.

وإن لم تكن الأحكام خاضعة لدين الله تعالى فهي حكم الجاهلية العمياء التي لا تهدي من ضلالة، ولا تنقذ من عمى بل هي العمى نفسه، بل إنها تخرج أصحابها من الظلمات إلى النور، بل هي ظلمات بعضها فوق بعض، كما قال تعالى (الله ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) [2] (

فمن ترك حكم الله تعالى فقد لجأ إلى حكم الجاهلية العمياء - سواء قصد أم لم يقصد - وقد أجمع العلماء على أن من ترك حكم الله تعالى وتحاكم إلى غيره من الشرائع فهو كافر بالله العظيم وبدينه القويم.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.

وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل

(1) سورة المائدة، الآية: 50.

(2) سورة البقرة، الآية: 257.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام