قال تعالى (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون) [1]
وهذه الآية بيان إلهي ونص قرآني محكم لا يلحقه التأويل أن من لم يستجب لحكم الله تعالى حينما يدعى إليه فهو كافر ظالم، وقد يكون دفعه إلى هذا الإعراض عن التحاكم إلى الله ورسوله إلا مرض في القلب يمنعه من الانقياد لحكم الكتاب والسنة كفعل أهل الإيمان أو أنه شاك في أمر الله تعالى وحكمه أو أنهم يخاف أن يظلمه الله تعالى الحكم العدل، وأيا كان الحال فهذا الإعراض كفر وظلم أكبر وخروج عن دين الله تعالى.
وبين الله تعالى أن من هؤلاء من يسرع في التحاكم إلى الله ورسوله إن علم أن الحكم سيكون له، وأن هذا لا يكون منه إيمان لأنه لا دلالة فيه على الإذعان لحكم الله ورسوله بل لموافقته مطلبه وغرضه فحال هؤلاء المعرضين دائر بين الكفر والظلم والنفاق أعاذنا الله منه.
قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قولا بألسنتهم (آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك) أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لايفعلون، ولهذاقال تعالى (وما أولئك بالمؤمنين) ، وقوله تعالى (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ... ) الآية أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه، وهذه كقوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) إلى قوله (رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) ، وقوله تعالى (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) أي وإذا كانت الحكومة لهم لاعليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله (مذعنين) وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي ليروج باطله، فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه، ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره، ولهذا قال تعالى (أفي قلوبهم مرض ... ) الآية، يعني لا يخرج أمرهم عن أن
(1) سورة النور، الآيات: 47: 50.