فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 127

وقبل الشروع في إيراد الأدلة الشرعية ننبه إلى أمر هام وهو الذي يعتبر مدخلا هاما للحكم في هذه المسألة وغيرها، وهو المتعلق بفقه الواقع.

فإننا نجد كثيرا من أهل الصلاح والتقوى وأهل العلم والفتوى يُقدِمون على الكلام في مسائل هم لا يعرفون الواقع فيها معرفة تامة، ولا يتنبهون إلى مداخل أهل الفجور والطغيان وما يستعملونه من حِيَلٍ لاستخراج الفتاوى من المشايخ والعلماء، بحيث تخدم هذه الفتاوى أهدافهم الخبيثة التي يعملون بها على تدمير الإسلام ومحاربة أهله، ويسوغون بها موالاة اليهود والنصارى والمشركين وتمكينهم من بلاد المسلمين، والحكم بين الناس بقوانين ما أنزل الله بها من سلطان، بل ويستعملون هذه الفتاوى كمسوغ لقتل الشباب المجاهد باسم إقامة حد الحرابة ومحاربة المفسدين.

وهؤلاء العلماء إنما يُفتون بهذه الفتاوى ويطلقون هذه الأحكام ولا يقصدون بها ما يستعملها أعداء الله تعالى فيها، ولو علم أصحاب الفتاوى ومن أطلق هذه الأحكام هذه الأهداف الخبيثة والحيل الماكرة ما أقدموا على إصدار هذه الفتاوى والأحكام، وهذا هو ظننا بهؤلاء المشايخ والعلماء والصالحين.

ومما يجب على المفتي أو العالم أو الحاكم أو القاضي وكل من يحكم بين الناس معرفة الواقع فيما يفتي فيه، ومعرفة حِيَل أهل الفجور والضلال والفساد في استخراج الأحكام والفتاوى التي تسوغ أفعالهم، ومعرفة عُرْف الناس في استخدام الألفاظ، فالواجب على العالم والمفتي والحاكم إذا عرضت عليه قضية أو سُئِل في حكم يتعلق بالواقع، أن يستقصي صفة هذا الواقع بالتفصيل قبل أن يُقْدِم على الحكم فيه، وهذا من مهمات الفتوى وشرط لتمكن الحاكم والمفتى من الإفتاء الصحيح.

ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم إلا بنوعين من الفهم.

أحدها: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علما.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام