فهرس الكتاب
الصفحة 34 من 127

والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر.

فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله. اه [1]

وقال رحمه الله: ذكر عبد الله بن بطة في كتابه في الخلع عن الإمام أحمد أنه قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:

أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.

والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.

والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته.

والرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس.

والخامسة: معرفة الناس، ثم قال ابن القيم رحمه الله:

وأما الخامسة: معرفة الناس، فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر، له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال، وتصور له الزنديق في صورة الصِّديق، والكاذب في صورة الصادق، ولبس كل مبطل ثوب زور تحتها الإثم والكذب والفجور، وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا.

بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله كما تقدم بيانه، وبالله التوفيق. اه [2]

(1) إعلام الموقعين لابن القيم ج1/ 87 - 88.

(2) أعلام الموقعين لابن القيم ج4/ 199، ثم 204 - 205، راحع الطرق الحكمية لابن القيم أيضا ج1/ 1718

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام