وأما بالنسبة للمناطات المكفرة في مسألة الحكم والتشريع فهي متعددة، فإن الطاعة المطلقة لغير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مناط مكفر، وذلك لأن الله تعالى قد افترض على عباده طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل ذلك من أعظم العبادات، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [1] ، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [2] ، وقد جعل الله تعالى طاعة الشيطان عبادة له، فقال تعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) [3] ، وقال تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [4] ، قال تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) [5] ، ولذلك فإن من أعطى شخصا ما أو جهة أو هيئة أو طائفة أو حزبا حق الطاعة المطلقة دون التقيد بالرجوع إلى دين الله تعالى فقد جعل هذا الغير - أيا كان - ربا وإلها مع الله تعالى، وصرف إليه أعظم ما يُصرف إلى الله تعالى من الطاعات، قال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) [6] .
وكذلك فإن عدم الرضا بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مناط مكفر، وهذا الرضا إنما تكون حقيقته في القلب ويظهر أثره على الجوارح من انقياد وطاعة، فمن لم يرض بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بقلبه أو صرح بذلك بلسانه أو أعرض عن حكم الله تعالى بعد أن دُعِي إليه أو سفه حكما من أحكام الله تعالى الثابتة فقد كفر بالله العظيم، قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [7] ، وقد بيَّن تعالى أن مسلك المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله يعرضون ويصدون عن حكم الله تعالى، قال تعالى (وإذا دعوا إلى الله
(1) سورة النساء، الآية: 59.
(2) سورة الأنفال، الآية: 24.
(3) سورة يس، الآية: 60.
(4) سورة الأنعام، الآية: 121.
(5) سورة آل عمران، الآية: 32.
(6) سورة التوبة، الآية: 31.
(7) سورة النساء، الآية: 65.