قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) إلى قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [1]
فقد أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآيات الكريمات بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة وأمر بطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء الحاكمين بشريعة الله تعالى [2] ، وإن حدث نزاع أو خصومة بين أولي الأمر وجمهور الناس فالمرجع في حل هذا النزاع هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيَّن الله تبارك وتعالى أن هذا هو مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر.
ثم تعجب سبحانه من قوم يزعمون - كاذبين - أنهم آمنوا بالله تعالى وبكل ما أنزله الله تعالى على رسله صلوات الله عليهم أجمعين، وهم مع ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - ومنهم الحكام المبدلون لأحكام الله تعالى والحاكمين بغير شريعة الله.
ثم بين تعالى أنه ما أمر هؤلاء - الحكام والمحكومين - إلا بأن يكفروا بكل هذه الطواغيت المعبودة من دون الله تعالى، ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه الشريفة المعظمة أنه لا يصح إيمان أحد حتى يُحَكِّم النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن الله تعالى - في كل شيء كبيرا كان أو صغيرا، ثم لا يكون في نفسه ضيق أو حرج من حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم لا بد أن يضم إلى ذلك الرضا التام والتسليم الكامل المطلق لحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة النساء، الآية: 59 - 65.
(2) قيد الله تعالى من يُطاعون من الأمراء بقوله تعالى (وأولي الأمر منكم) أي من المؤمنين، فلا طاعة إلا للحاكم المسلم الذي يقيم شرع الله ودينه، أما إذا كفر الحاكم بأن ترك حكم الله تعالى أو حكم بغير ما أنزل الله تعالى أو والى الكفار ونصرهم على المؤمنين أو استهزأ بدين الله وشرعه فلا سمع له ولا طاعة، وإنما يجب القيام عليه وخلعه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله في المبحث الخاص بأصناف الحكام وأحكامهم.