فهرس الكتاب
الصفحة 68 من 127

فمن لم يتحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء فليس بمؤمن، ومن كان في صدره ضيق أو حرج ولم يُسَلّم لحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فليس بمؤمن كذلك، بل لا يكون مؤمنا حتى يرضى بحكم الله ورسوله، ويسلم تسليما كاملا لحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير رحمه الله: أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر ... إلى قوله رحمه الله: قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا)

هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله.

كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمدا، وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف، وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهر الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا ... إلى قوله رحمه الله:

يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا.

ولهذا قال (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) . اه [1]

(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 786 - 787، ط: دار الفكر، وقد تقدم تخريج الحديث.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام