فهرس الكتاب
الصفحة 69 من 127

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان فيجب على العبد أن يكون راضيا بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض، قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فأقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى يرتفع الحرج من النفوس من حكمه وحتى يسلموا لحكمه تسليما، وهذه حقيقة الرضا بحكمه فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان. اه [1]

وقال أيضا رحمه الله: ذم الله عز وجل المدعين الإيمان بالكتب كلها، وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيرا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضا، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات. اه [2]

ويقول الشوكاني رحمه الله في تفسيره قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون ... ) الآية: وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود وترجف له الأفئدة، فإنه أولا أقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) ، فضم إلى التحكيم أمرا آخر وهو عدم وجود حرج: أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس، ثم لم يكتف بهذا كله، بل ضم إليه قوله (ويسلموا) أي يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا، ثم لم يكتف بذلك، بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال (تسليما) فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما

(1) مجموع الفتاوى، ج2/ 192.

(2) راجع مجموع الفتاوي ج12/ 339 وما بعدها.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام