فهرس الكتاب
الصفحة 40 من 127

قد اتخذناهم أربابا. اه [1]

ويظهر من كلام القرطبي رحمه الله أنه قد اعتبر الطاعة لغير الله في التحليل والتحريم عبادة لغير الله تعالى، وأن من أطاع غير الله تعالى في ذلك فقد أنزله منزلة الرب تبارك وتعالى، وأعطاه الحق الذي لا يجوز إلا لله تبارك وتعالى، وهذا أحد المناطات المكفرة في مسألة الحكم والتشريع، وهذا هو نفس المعنى الذي ذكره ابن كثير رحمه الله عن أهل التفسير.

قال ابن كثير رحمه الله: هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة) ، والكلمة تُطْلَق على الجملة المفيدة، كما قال هاهنا، ثم وصفها بقوله (سواء بيننا وبينكم) ، أي عدل ونَصَف نستوي نحن وأنتم فيها، ثم فسرها بقوله (أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) ، لا وثناً ولا صليباً ولا صنماً ولا طاغوتاً ولا ناراً ولا شيئاً، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرسل، قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ، ثم قال تعالى (ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) ، وقال ابن جريج: يعني يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله، وقال عكرمة: يسجد بعضنا لبعض (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ، أي فإن تولوا عن هذا النَّصَف وهذه الدعوة، فاشهدوا أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم) [2] . اه

وقال سيد قطب رحمه الله مبينا حكم من ادعى لنفسه حق التشريع للناس من دون الله: إن أظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية تعبيد العبيد والتشريع لهم في حياتهم وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلها من دون الله ... إلى أن قال رحمه الله: إن الناس في جميع الأنظمة الأرضية يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله يقع هذا في أرقى الديمقراطيات كما يقع في أحط الدكتاتوريات.

إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبيد الناس، حق إقامة الأنظمة والمناهج والشرائع

(1) تفسير القرطبي، ج 4/ 114، ط: دار الفكر.

(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير/ 555، ط: دار الفكر.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام