فهرس الكتاب
الصفحة 45 من 127

بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّ إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسرت أخته وجماعة من قومه، ثم مَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها فرغَّبَته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقدم عدي رضي الله عنه إلى المدينة وكان رئيسا في قومه طيء، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي عنق عدي صليب من فضة - وهو يقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال عدي: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم ... ) [1] الحديث ... إلى أن قال ابن كثير رحمه الله:

وهكذا قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما في تفسير قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، وقال السدي: استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ (لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) أي تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنُّظَرَاء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. اه [2]

وقال البغوي رحمه الله: فإن قيل إنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان - بمعنى الركوع والسجود - قلنا: معناه إنهم أطاعوهم في معصية الله، واستحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب. اه [3]

وقال ابن تيمية رحمه الله: وقد قال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) ، وذكر حديث عدي ثم قال: وكذلك قال أبو البحتري: أما إنهم لم يصلوا لهم ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وجعلوا حرام الله حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية، وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟ قال: كانت الربوبية أنهم وجدوا في كتاب الله ما أُمِرُوا به ونُهُوا

(1) حديث عدي بن حاتم رواه الترمذي وحسنه، وحسنه أيضا ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج7/ 76، ورواه أيضا ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي.

(2) تفسير ابن كثير، ج2/ 544 - 545، ط: دار الفكر.

(3) تفسير البغوي، ج 3/ 285.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام