فهرس الكتاب
الصفحة 96 من 127

فقد نبه العلماء كما سبق بيانه على أن حكم هذه الآيات يعم أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين إذا فعل فعلهم.

وقد قال القاسمي رحمه الله في تفسيره: وكذا ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس: أنها في اليهود خاصة قريظة والنضير لا ينافي تناولها لغيرهم، لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكلمة مَنْ وقعت في معرض الشرط فتكون للعموم. اه [1]

ولذلك فقد قال ابن كثير رحمه الله مبينا أن حكم هذه الآيات عام فيمن نزلت فيهم وفي غيرهم: نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل ... إلى قوله: والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه. اه [2]

فحمل ابن كثير رحمه الله الآية على كل الخارجين عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المسارعين في الكفر المقدمين آراءهم وأهواءهم على شريعة الله تعالى وحكمه، ولم يقصرها على سبب نزولها، وهذا هو الصحيح في حكم هذه الآيات.

ولذلك فقد قال إسماعيل القاضي رحمه الله في أحكام القرآن بعد أن حكى الخلاف في ذلك: ظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا، واخترع حكما يخالف به حكم الله، وجعله دينا يُعمَل به، فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور، حاكما كان أو غيره. اه [3]

فإذا كان اليهود الذين نزلت فيهم هذه الآيات ما بدلوا إلا حكما واحدا وهو حكم رجم الزاني المحصن وكانوا بذلك كفارا بنص الآية الكريمة، فما حكم من امتدت أيديهم وقوانينهم إلى كل الأحكام يبدلونها حيث يشاءون وحسب أهوائهم ومصلحتهم؟ لا شك أن هؤلاء المبدلين في عصرنا أشد كفرا من اليهود في الزمن الأول.

فَرَدُّ الحكم الشرعي المنزل من رب السماوات والأرض وإقامة حكم شَرَعَهُ البشر ولو كان

(1) محاسن التأويل للقاسمي، ج6/ 215، ط: دار الفكر، راجع البحر المحيط ج3/ 492.

(2) تفسير ابن كثير، ج2/ 85.

(3) راجع فتح الباري، ج13/ 120، ومحاسن التأويل للقاسمي، ج6/ 612.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام