فهرس الكتاب
الصفحة 95 من 127

خطر عظيم ... إلى قوله: لأنك تريق الدماء بأحكامك وتنقل الأملاك والحقوق من أهلها وتحلل الحرام وتحرم الحلال وتقول على الله ما لم يقل، غير مستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل بشيء لا تدري أحق هو أم باطل باعترافك على نفسك بأنك كذلك ... إلى قوله رحمه الله:

وكيف أقدمت على أصول في الحكم بغير ما أنزل الله حتى تكون ممن قال فيه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) ، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فهذه الآيات الكريمة متناولة لكل من لم يحكم بما أنزل الله. اه [1]

قلت: وما سبق ذكره من أسباب نزول هذه الآيات وكلام السلف وأهل التفسير فيها يبين أنها تعم كل من لم يحكم بما أنزل الله تعالى من أهل الكتاب وغيرهم، وإن كان سبب نزولها في أهل الكتاب، فكما هو معلوم - وهو مذهب الجمهور من العلماء - أن صورة سبب النزول داخلة في النص دخولا قطعيا [2] ، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب [3] ، ولذلك

(1) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد للشوكاني / 64 - 74.

(2) صورة سبب النزول أي ما شابه سبب نزول الآية، فكل من شابه من نزلت فيهم الآية من حيث صفة القول أو الفعل أو الحال كان حكمه حكم من نزلت فيه، وهذا هو مذهب جمهور العلماء من أهل المذاهب وغيرهم، ولا عبرة بشذوذ من قال بغيره كما صرح بذلك السيوطي رحمه الله، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وليس بين الناس خلاف أن الآية تعم الشخص الذي نزلت فيه ومن كان حاله كحاله (الصارم / 33) ، وقد قال ايضا: واللفظ العام إذا ورد على سبب فلا بد أن يكون السبب مندرجا فيه (اقتضاء الصراط المستقيم /185) ، وقال الشنقيطي رحمه الله: وجمهور أهل الأصول على أن صورة السبب قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق (المذكرة /210)

(3) يستفاد هذا العموم من عدة أنواع من الخطاب:1 - العموم المستفاد من خطاب آحاد المكلفين ما لم يرد نص يبين التخصيص (العموم الشرعي) ، 2 - العموم اللغوي: وهو العموم اللفظي، كأن يرد الخطاب على غير سبب يعني أن يكون الخطاب عاما ليس موقوفا على سبب فهذا لا خلاف بين أهل العلم على عموميته، وأما إذا ورد الخطاب على سبب أو جواب لسائل فإن دل اللفظ على العموم فهو عام مثل قوله تعالى في حد السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ، فهذه الآية نزلت في شأن المرأة التي سرقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الذي سرق رداء صفوان بن أمية، ومع ذلك فقد حمل العلماء الخطاب فيها على مجموع الأمة (راجع المذكرة/ 209) ، فأما إن كان في صيغة النص ما يبين أنه مخصوص فلا يحمل على العموم بحال، كقوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (خالصة لك من دون المؤمنين) ، وأما إن لم يقترن بالنص ما يدل على التعميم أو التخصيص فقد قال الجمهور من العلماء: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعلى ذلك قامت الأدلة، فيعم حكم آية اللعان النازلة في عويمر العجلاني وهلال بن أمية، ويعم حكم آية الظهار النازلة في امرأة أوس بن الصامت، وآية الفدية النازلة في كعب بن عجرة وهلم جرا، (راجع في هذه المسألة: المستصفى للغزالى ج2/ 21، الإحكام للآمدي ج2/ 239، إرشاد الفحول للشوكاني/105127، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي / 248)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام