فهرس الكتاب
الصفحة 86 من 127

* وخالفهم آخرون فقالوا بقول الخوارج الذين يكفرون المسلم بالمعصية، ويعتبرون أن كل من خرج عن طاعة الله تعالى أو اقترف ذنبا قد حَكَم بغير ما أنزل الله تعالى، فحكموا بالكفر على كل من رأوه اقترف ذنبا أو فعل معصية غير مكفرة، والحق دائما وسط بين الغلو والتفريط.

فليس من وقع في المعصية غير المكفرة دون استحلال لها كافرا، وليس من نحى الشريعة وحكم بين الناس بغير ما أنزل الله يكون مسلما، بل هو كافر كافر كما سبق بيان ذلك فيما سبق من الأدلة وما يأتي منها إن شاء الله.

والصواب والله تعالى أعلم فيما ورد من كلام أهل العلم مما ظاهره التعارض أنه محمول على اختلاف أحوال الناس، فمن ترك الحكم بما أنزل الله تعالى أو حكم بين الناس بغير ما أنزل الله تعالى، أو بدل شرع الله عز وجل واعتاض عنه بشرعة هي حثالة عقول البشر فهو كافر خارج عن ملة الإسلام بالكلية، وسواء كان هذا الحكم أو التبديل في القليل أو الكثير، وسواء كان هذا من أهل الكتاب أو من المسلمين.

وأما من تحايل لإسقاط الحكم الشرعي - بما لا يُردُّ من حيث الظاهر - فهذا لا يكفر الكفر الأكبر، وعليه يتنزل قول من قال إن ذلك كفر أصغر.

ومثال ما ذكرنا أن يُؤتى بزانٍ قد وجب عليه الحد، فيتحايل القاضي أو الحاكم لإثبات أن هذا الزاني جاهل بحكم الزنا، والجاهل بحكم الزنا لا يُقام عليه الحد، أو يؤتى بسارق فيتحايل القاضي أو الحاكم لإثبات أن هذا السارق قد سرق من غير حرز مثله، أو سرق ليأكل وإلا هلك من الجوع، فيسقط الحد عنه، فهو من حيث الظاهر قد وافق القوانين الشرعية الموضوعة لإقامة الحدود، ولكنه في الحقيقة والباطن قد أسقط حكما شرعيا وجب القيام به.

وقد حدث نوع مما ذكرناه من التحايل لإسقاط الأحكام الشرعية قديما، كما ذكر ذلك أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل حيث قال: أول قاض جار في القضاء بلال بن أبي بردة، وذكر أن رجلا قَدَّم إلى بلال رجلا في دَيْن له عليه، فأقر الرجل - أي المدين - وكان بلال يُعنى بالرجل - أي المدين - فقال المدعي: يعطني حقي أو نحبسه بإقراره، قال القاضي: إنه مفلس، قال: لم يذكر إفلاسه، قال: وما حاجته إلى ذكره وأنا عارف به؟ فإن شئت أحبسه فالتزم نفقة عياله، قال: فانصرف الرجل وترك خصمه، وكان بلال معروفا

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام