فهرس الكتاب
الصفحة 73 من 127

والنص يجعل طاعة الله أصلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أصلا كذلك، ويجعل طاعة أولي الأمر منكم تبعا لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد أن قرر أنهم منكم بقيد الإيمان وشرطه. اه [1]

ولفظ الطاغوت الذي ورد في الآية قد ورد بيان معناه مفسرا في أقوال أهل العلم، ومحصل أقوالهم أنهم الشياطين - سواء كانوا من الإنس أو الجن - الذين يدعون إلى عبادة غير الله تعالى، وكل من نصب نفسه حاكما ومشرعا للناس بغير هدى من الله تعالى، وكل من دعا الناس إلى عبادته من دون الله تعالى، وكل من أطاعه الناس طاعة مطلقة بالترغيب أو الترهيب، أو دعا الناس إلى ذلك، وإن كان رأس الطاغوت الشيطان فإنه الذي يدعو الخلق إلى الشرك والمعصية في مقابلة دعوة الله تعالى إلى التوحيد والطاعة، وهؤلاء الشياطين قد يكونون من الجن كما أنهم قد يكونون من الإنس أيضا كما ذكرنا، ويدخل في معنى الطاغوت أيضا ما عُبد من دون الله تعالى من الحجر والشجر والمقبورين إذا رضوا بذلك أو دعوا الناس إلى عبادتهم من دون الله.

فإن لفظ الطاغوت مشتق من الطغيان وهون مجاوزة الحد عموما، قال تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) [2] أي لما زاد الماء عن حده حملناكم في السفينة وهي الجارية، وتختلف صور الطاغوت باختلاف الأحوال والأزمان، فكل من تجاوز وتعدى حده وخرج عن عبودية الله تعالى أو دعا الناس إلى الخروج عنها أو إلى عبادة ما سوى الله تعالى أو وضع للناس قانونا وأمرهم بالعمل به وترك أحكام الله تعالى وشرائعه فهو طاغوت يجب الكفر به وبشريعته وقانونه، ولا يصح الإسلام بغير هذا بنص القرآن.

وفي بيان معنى الطاغوت قال الطبري رحمه الله: والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله تعالى فعُبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء. اه [3]

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الطاغوت: فعلوت من الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي، فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت ... إلى أن

(1) الظلال، ج 2/ 690 / 691.

(2) سورة الحاقة، الآية: 11.

(3) تفسير الطبري، ج 3/ 21.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام