فهرس الكتاب
الصفحة 71 من 127

فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة وذكر أدلة جميع ما قدمنا على وجه البسط معلومة معروفة، لا يحتمل ذكرها هذا الموضع.

فيا معشر العقلاء ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم وأفكار أشباهكم أو من هو دونكم، ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطؤهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حكمهم إلا ما هو مستمد من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نصا أو استنباطا، تدعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم وفي أموالكم وسائر حقوقكم، ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد الرءوف الرحيم دون حكم المخلوق الظلوم الجهول الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات، فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض والأغلاط والأخطاء، فضلا عن كونه كفرا بنص قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) . اه [1]

وقوله رحمه الله: وتقرهم عليه وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة، أي فلا كفر أشد من هذا، حتى وإن قالوا: كتاب الله خير وحق ولكنهم ألقوه وراء ظهره، ويتحاكمون ويحاكمون ويلزمون الناس بهذه القوانين الملفقة، ففاعل هذا لا يمكن أن يكون مسلما أبدا، ومثله كمثل كفار أهل الكتاب الذين كانوا يقولون: إن محمدا صادق وإنه رسول لكنهم لا يؤمنون به ولا يتبعون شريعته، فهؤلاء

(1) رسالة تحكيم القوانين / 8 - 10.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام