فيما يُذهب عقولهم ويُذيب أموالهم، فانحطُّوا إلى الدَّرْكِ الأسفل.
وفيها إباحةُ الميسر بكل أنواعه، بشروط ورخصٍ وضعوها، فخربت البيوت واختلت الأعصاب والعقول مما هو مشاهد يعجز قلمي عن وصفه، وفيها إباحة الفجور بطرق عجيبة من حماية الفجَّار من الرجال والنساء من سلطان الآباء والأولياء بحجة حماية الحرية الشخصية، ثم ما في الحانات والمواخير ثم اختلاط الرجال والنساء ثم المصايف ومافيها من البلاء، ثم هذه المراقص العامة والخاصة بل المراقص التي تُنْفِقُ عليها الدولة في الحفلات والتمثيل، اقتداء بالسادة الأوربيين «ذوي العقول الجبارة التي كشفت الكهرباء والراديو ومعجزات الطيران» ! وفيها إبطالُ الحدودِ التي نزل بها القرآن كلِّها مسايرةً لروح التطور العصريّ واتباعا لمباديء التشريع الحديث! وتبًّا لهذا التشريع الحديث وسُحْقاً، وفيها إهدارُ الدماء في القتلى باشتراط شروط لم يَنْزلْ بها كتابٌ ولاسنةٌ في الحكم بالقصاص، مثل شرط سبق الإصرار مع العمد الموجب وحدَه للقصاص في شرعة الإسلام، ومثلُ البحث فيما يسمونه «الظروف المخففة» و «درس نفسية الجاني وظروفه» ، ومثلُ جَعْلِ حَقِّ العفو للدولة لا لولّي الدم الذي جَعل الله له وحده حقَّ العفو بنص القرآن، فأهدرت الدماء وفَشَا القتلُ للثأر حتى لا رادع، والأُمةُ والحكومةُ والصحفُ وغيرها تتساءَلُ عن علة ازدياد جرائم القتل؟ والعلةُ في هذه القوانين التي خالفت العرفَ والدين، إلى غير ذلك مما لا نستطيع أن نحصيه في هذه الكلمة.
وكل هذه الأشياء وأمثالها تحليل لما حَرَّم الله واستهانة بحدود الله وانفلاتٌ من الإسلام، وكلها حربٌ على عقائد المسلمين، وكلها تعطيل لفروض الدين. اه [1]
لهذا ولما كانت أعظم نازلة وفتنة عمت بلاد المسلمين في القرنين الماضيين هي قتنة تنحية شرعة الرحمن والحكم بشريعة الشيطان (القوانين الوضعية الكافرة) ، كان لابد - وللحفاظ على دين المسلمين وشريعتهم - أن يبذل كل علماء الأمة ودعاتها أغلى وأثمن أوقاتهم وجهودهم في بيان كمال الإسلام وشريعته، وللتأكيد على العلاقة الوثيقة بين الحكم بالشريعة
(1) هذا الجزء منقول من كتاب (الجامع في طلب العلم الشريف) للشيخ سيد محمد إمام الشريف المعروف بعبد القادر بن عبد العزيز عن كتاب (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر) للشيخ أحمد شاكر، ط دار الكتب السلفية، باختصار من/21:29