سوداء أو بيضاء وصُبِغَتْ بها الروحُ ومَرَنَتْ عليها النفْسُ، وهذه القوانين الأجنبيةُ أثَّرت أسوأ الأثر في نفوس الأمة وصبغتها صبغة إلحادية مادية بحتة كالتي ترتكِسُ فيها أُوربة، ونزعت من القلوب خشية اللهِ والخوف منه، وكان التشريع الإسلامي يدخل القلوب ويرققها ويطهرها من الدنايا، فكان المسلمُ إذا حَكم الحاكم أو قضي القاضي علم أن دينه يأمره في دخيلة نفسه أن يسمع ويُطيع، وأنه مسؤول عن ذلك بين يدي الله يوم القيامة قبل أن يكون مسؤولا عند الناس، وعلم أنه إن عصَى ما قضى به قاضيه كان عاصياً لربه ... هذه تربيةُ الشريعة للأمة، فانظروا تربيةَ القوانين المادية الأجنبية، لم يحترمها المسلمون في عقيدتهم ودينهم وإنما رَهِبوها وخافوا آثارَها الظاهرة، ولم يعتقدوا وجوبَ طاعتها في أنفسهم فكان مانرى من اللَّدَدِ في الخصومة والإسراف في التقاضي واتباع المطامع والتغالي في إطالة الإجراءات، والتَّفَصِّي بالحيل القضائية عن تنفيذ الأحكام، وعمَّ هذا كلُّه دُورَ القضاء شرعيةً وغيرها، ذلك أن الناس مردت نفوسهم على الباطل، وفقدوا قلوبهم فاتبعوا شهواتهم وأسلسُوا لشيطان المادة مقادهم.
وكان مانرى من إباحية سافرة فاجرة، عصفت بالأخلاق السامية والتقاليد النبيلة، حتى كادت تُوردُنا موارد الهلكة، ثم قد أجرمت هذه القوانين في حق الأمة والدين أكبر الجرائم، فبثَّتْ في كثير من الناس روحَ الإلحاد والتمرد على الدين أو حَمَتْها وساعدت على بقائها ونمائها، وحَمَت التبشيرَ وما وراءه من منكرات ومفاسد بما تدعيه من حرية الأديان، كان من أثر مباديء التشريع الحديث أن تعجز الأمة عن تربية ناشئتها على قواعد الإسلام، وأن تُحاول جعل تعليم الدين إجبارياً في مدارسها فلا تصلُ إليه، وأن تُوجد في البلد مدارس تُرُبِّي أبناء المسلمين وتعلمهم غير دينهم وغير لغتهم فتسلخُهم من الأمة، ثم يكونون حرباً عليها في عقائدها وآدابها وأن يكون ذلك عن رِضَى المستضعفين من آبائهم ... وكان من أثر التربية المدنية المادية والغلوّ في تقليد أُوربة وتَرَسُّمِ خُطَاها، أن ظَنَّ ضعاف الإيمان أن التعليم الجامعيَّ لايكون صحيحاً إلا بمحاربة الدين أو بالانسلاخ من الدين، فذهب الذين تَوَلَّوْا كِبْره منهم يُذيعون هذا النَّغم ويضربون على هذا الوتر، يستهوون العقول الناشئة ويستميلون القلوب الغضَّة يريدون أن يخدعوا الشباب، والشَّباب سياج الأُمة والدين.
إن هذه القوانين الأجنبية كادت تقضي على ما بقي في أمتكم من دينٍ وخُلُق، فأُبيحت الأعراضُ وسُفكت الدماء، لم تَنْه فاسقا ولم تزجر مجرماً، حتى اكتظت السجونُ وصارت