والملائكة والجن والنار والجنة ويوم القيامة ومافيه حتى كأنه رأي عين، وعرَّفهم معبودهم وإلاههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعَرَّفهم الأنبياء وأممهم وماجرى لهم وماجرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها مالم يُعَرِّفه نبي لأمته قبله، وعرفهم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن مالم يُعَرّف به نبي غيره، وكذلك عرفهم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ماليس لمن عرفه حاجة من بعده، وكذلك عرفهم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر مالو عَلموهُ وعَقَلوه ورَعَوْه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبدا، وكذلك عرفهم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره ومايدفعون به شره ما لا مزيد عليه، وكذلك عرفهم من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه، وكذلك عرفهم من أمور معايشهم مالو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعْظَمَ استقامة ... إلى آخر قوله رحمه الله [1]
وحين سكت المسلمون على ما حل بهم وبدينهم وآثروا الراحة والدعة ضربت على رقابهم ذلة يراها كل عاقل، وانتشرت في مجتمعات المسلمين المفاسد والبلايا وحل بديارهم خراب ما بعده خراب، إذا قلبت وجهك في بلاد المسلمين لعرفت مقدار ما حل بها من آثار تحكيم القوانين الوضعية الكافرة، وقد وصف لنا رجل من رجال القضاء الشرعي والذي عاشر بنفسه فترة إغلاق ما تبقى من محاكم شرعية، ورأى بأم عينه كيف حيكت مؤامرة تنحية ما تبقى ما أحكام شرعية في مصر على يد الهالك جمال عبد الناصر عامله الله بما يستحق، ذلك هو الشيخ أحمد شاكر رحمه الله حيث قال وهو يخاطب المسلمين: وأنتم تحكمون بقوانين لاتمت إلى الإسلام بصلة، بل هى تنافيه في كثير من أحكامها وتُناقضه، بل لا أكون مغاليا إذا صرَّحتُ أنها إلى النصرانية الحاضرة أقرب منها إلى الإسلام ... هذه القوانين كادت تصبغُ النفوس كلِّها بصبغة غير إسلامية، وقد دخلت قواعدها على النفوس فأُشْرِبتَها، حتى كادت تفتنُها عن دينها، وصارت القواعدُ الإسلامية في كثير من الأُمور مَنكَرة مستنكرة.
إن القوانين إذا حُكِمَتْ بها أمةٌ السنين الطوَال تغلغلتْ في القلوب، ونَكَتَتْ فيها آثاراً
(1) راجع إعلام الموقعين لابن القيم ج4/ 375: 377.