الذي عماوا لعلهم يرجعون) [1] ، وصدق الله تعالى إذ قال (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوماً غيركم ولاتضروه شيئا، والله على كل شيء قدير) [2] .
ومن المعلوم بالضرورة أن شريعة الله تعالى وافية بمصالح العباد في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى ما ترك شيئا إلا وجعل له حكما علمه من علمه وجهله من جهله، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [3] ، وقال تعالى لنبيه (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [4] ، وقد أمرنا الله تعالى برد كل شيء إلى حكمه فقال عز من قائل (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول) [5] ، وقال (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) [6] ، وإذ أمرنا الله تعالى برد كل شيء إليه، فلابد أن يكون دينه وشرعه وافيا بكل ما يحتاجه البشر في دينهم ودنياهم، وهذا أمر لا يختلف عليه مسلمان البتة، إنما ينازع فيه الزنادقة ومن لا يؤمنون بالله ربا وإلها،
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله: وهذ الأصل من أهم الأصول وأنفعها وهو مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالته بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنه لم يحوج أمته إلى أحد بعده، وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ماجاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص: عموم بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعموم بالنسبة إلى كل مايحتاج إليه من بُعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة لا تُحْوِج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به، وقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علما، وعلَّمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول والسفر والإقامة والصَّمْت والكلام والعزلة والخلطة والغنى والفقر والصحة والمرض وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي
(1) سورة الروم، الآية:
(2) سورة التوبة، الآية: 39.
(3) سورة المائدة، الآية: 3.
(4) سورة النحل، الآية: 89.
(5) سورة النساء، الآية: 59.
(6) سورة الشورى، الآية: 10.