إن النص القرآني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقادا وقدموا إليه الشعائر في العبادة، فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركا بالله الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين.
إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته. اه [1]
وفي بيان المناط المكفر في مسألة الطاعة لغير الله تعالى يقول ابن تيمية رحمه الله: وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركا وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله مشركا مثل هؤلاء.
والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب. اه [2]
ومما يجب أن يُعلم أن هذا التشريع قد يتمثل في اختراع حكم جديد ليس له أصل في الشريعة، أو في تبديل حكم ثابت قائم منصوص عليه، وكل هذا تشريع، فمن اخترع للناس حكما لم يشرعه الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ومن بَدَّل حكما ثابتا من أحكام الكتاب والسنة كأن يبدل تحريما ثابتا بجعله حلالا، أو حلالا ثابتا بجعله حراما، فهو كافر مثل الأول سواء بسواء، وهذا الحكم ينطبق ايضا على من يغير الحدود الثابتة بنص القرآن والسنة أو يغير عقوبتها الشرعية.
(1) الظلال لسيد قطب، ج 3/ 1642.
(2) مجموع الفتاوى، ج 7/ 70.