فهرس الكتاب
الصفحة 47 من 127

دلت عليه كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) .

فإن الإله هو المعبود، وقد سمى الله تعالى طاعتهم عبادة لهم، وسماهم أربابا، كما قال تعالى (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) ، أي شركاء لله تعالى في العبادة) أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (وهذا هو الشرك، فكل معبود رب، وكل مُطَاع ومُتبَع على غير ما شرعه الله ورسوله فقد اتخذه المطيع المتبع ربا معبودا، كما قال تعالى في آية الأنعام (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (وهذا هو وجه مطابقة الآية للترجمة، ويشبه هذه الآية في المعنى قوله تعالى(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) والله أعلم. اه [1]

وقال الشنقيطي رحمه الله في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ... ) الآية: فإن عدي بن حاتم رضي الله عنه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم كيف اتخذوهم أربابا؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم أحلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم) ، وذلك هو معنى اتخاذهم إياهم أربابا.

ويُفهَم من هذه الآيات بوضوح لا لبس فيه أن من اتبع تشريع الشيطان مؤثرا له على ما جاءت به الرسل فهو كافر بالله عابد للشيطان، متخذ الشيطان ربا وإن سمى اتباعه للشيطان بما شاء من الأسماء، لأن الحقائق لا تتغير بإطلاق الألفاظ عليها كما هو معلوم. اه [2]

وقال سيد قطب رحمه الله: ومن النص القرآني الواضح الدلالة ومن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فصل الخطاب ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار.

إن العبادة هي الاتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أربابا بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبدية لهم، ومع هذا فقد حكم الله سبحانه عليهم بالشرك في هذه الآية، وبالكفر في آية تالية في السياق لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوهم واتبعوها، فهذا وحده دون الاعتقاد والشعائر يكفي لاعتبار من يفعله مشركا الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين.

(1) فتح المجيد / 110 - 111، ط: دار الفكر.

(2) أضواء البيان في تأويل القرآن بالقرآن للشنقيطي ج1/ 476.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام