قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم بقوله جل شأنه (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) ، والحرج: الضيق، بل لابد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلون ها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد، وهو قوله جل شأنه (تسليما) المبَيِّن أنه لا يُكتَفَى ها هنا بالتسليم، بل لابد من التسليم المطلق. اه [1]
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على تفسير قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) : فانظروا أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية أو البلاد التي تنتسب للإسلام في أقطار الأرض إلى ما صنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون، إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان قوانين إفرنجية وثنية، لم تبْن على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني أبى أن يؤمن برسول عصره عيسى عليه السلام وأصر على وثنيته، إلى ما كان من فسقه وفجوره وتهتكه!
هذا هو جوستنيان أبو القوانين وواضع أسسها فيما يزعمون، والذي لم يستح رجل من كبار رجالات مصر المنتسبين ظلما وزورا إلى الإسلام، أن يترجم قواعد ذاك الرجل الفاسق الوثني، ويسميها مدونة جوستنيان سخرية وهزءا بمدونة مالك إحدى موسوعات الفقه الإسلامي المبني على الكتاب والسنة، والمنسوبة إلى إمام دار الهجرة، فانظروا إلى مبلغ ذلك
(1) رسالة تحكيم القوانين لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ/ 6: 8.