فهرس الكتاب
الصفحة 28 من 127

أن الله تعالى أقسم بنفسه المقدسة أن أحدا لا يكون مؤمنا حتى يحكم النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته في كل شيء، ولا يكون في نفسه ضيق أو حرج من ذلك الحكم، بل يجب أن يمتلئ قلبه بالرضا والتسليم والقبول، فقال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [1]

قال ابن كثير رحمه الله: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا، ولهذا قال تعالى (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) . اه [2]

(1) سورة النساء، الآية: 65.

(2) تفسير ابن كثير ج1/ 787، ط: دار الفكر، والحديث رواه البيهقي والطبراني وابن أبي عاصم في السنة وابن بطة في الإبانة والقاسم بن عساكر في طرق الأربعين كلهم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، ولفظ رواية البيهقي (لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعا لما جئتكم به) وقد خرج هذا الحديث الحافظ أبو نعيم في كتاب الأربعين وشرط في أولها أن تكون من صحاح الأخبار ومما أجمع الناقلون على عدالة ناقليه وخرجته الأئمة في مسانيدهم، والحديث قال عنه النووي رحمه الله: حديث حسن رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وقال ان حجر: رجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر الأربعين، وقد ضعفة الألباني في شرح السنة، وكتاب الحجة الذي ذكره النووي هو كتاب الحجة على تاركي سلوك طريق المحجة يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة وصاحبه هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي، قال ابن رجب الحنبلي: قال الحافظ أبو موسى المديني: هذا الحديث مختلف فيه على نعيم، قال ابن رجب: تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الأئمة وخرج له البخاري فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في السنة وتشدده على أهل الرد في الأهواء وكانوا ينسبونه إلى أنه يهم ويشبه عليه في بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف، فروى صالح بن محمد الحافظ عن ابن معين أنه سئل عنه فقال: ليس بشيء إنما هو صاحب سنة، قال صالح: وكان يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها، وقال أبو داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي ليس لها أصل، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس ثقة، وقال مرة: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين في أحاديث كثيرة فصار في حد من لا يحتج به، وقال أبو زرعة الدمشقي: يصل أحاديث يوقفها الناس، يعني أنه يرفع الموقوفات، وقال أبو سعيد بن يونس: روى أحاديث مناكير عن الثقات، ونسبه آخرون إلى أنه كان يضع الحديث، ومن وجوه ضعف الحديث أنه قد اختلف على نعيم في إسناده فروى عنه الثقفي عن هشام وروى عنه الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره، وعلي هذه الرواية يكون الشيخ معروف عنه وروى عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره، وعلي هذه الرواية فالثقفي رواه عن شيخ مجهول وشيخه رواه معين فتزداد الجهالة في إسناده، ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري ويقال فيه يعقوب بن أوس أيضا وقد خرج له أبو داود والنسائى وابن ماجه حديثا عن عبدالله بن عمرو ويقال عبدالله بن عمر وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي وابن سعد وابن حبان وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته، وقال ابن عبد البر: هو مجهول، وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبدالله بن عمرو وإنما يقول: قال عبدالله بن عمرو فعلي هذا تكون رواياته عن عبدالله بن عمرو منقطعة والله أعلم (راجع جامع العلوم والحكم ج1/ 387) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام