الرجل من السخف، بل من الوقاحة والاستهتار! هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافر هي في حقيقتها دين آخر جعلوه دينا للمسلمين بدلا من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيرا كلمات تقديس القانون وقدسية القضاء مثل: حرم المحكمة، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين.
بل هم حينئذ يصفونها بكلمات الرجعية والجمود والكهنوت وشريعة الغاب، إلى أمثال ما ترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين! ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة الفقه والفقيه والتشريع والمشرع وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها، وينحدرون فيتجرءون على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفترى الجديد ... إلى أن قال أحمد شاكر رحمه الله:
وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها، سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئا من أحكام الشريعة وما خالفها، وكله باطل وخروج، لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة لا اتباعا لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله، فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به. اه [1]
وكل ما سبق يدل دلالة واضحة على أن من لم يتحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو لم يرض بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم غيرهما، من كان هذا حاله فإنه لم يؤمن بالله تعالى ولم يرض به ربا، ولم يؤمن بالإسلام ولم يرض به دينا، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يرض به رسولا.
(1) عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر، ج 3/ 214 - 215.