أما الثاني قاتله الله فهو كافر كافر لأنه أراد أن يجعل نفسه أو غيره شريكا لله، أراد أن يخلع على نفسه صفة من صفات الربوبية وخاصية من خصائصها، ألا وهي حق التشريع، قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ، من فعل ذلك فهو كافر قطعا وكفره كفر أكبر ينقل عن الملة وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، هذا هو الحق الذي لا مراء فيه، وهذا هو القول الفصل في النوعين. اه [1]
فهذه الأقوال وغيرها مما يجري مجراها يجب أن تحمل على محملها الصحيح كما تقدم ذكره، ولا يجوز لأحد أن يحملها على غير محملها الصحيح فينزلها غير منزلتها اللائقة بها، فيكون كما قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله وضع كلام أهل العلم في غير موضعه وأزال بهجته والله تعالى أعلم [2]
ونختم الكلام على هذه الآيات بما قاله سيد قطب رحمه الله حيث قال: ولقد علم الله سبحانه أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه في كل زمان وفي كل أمة معارضة من بعض الناس ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضا والقبول والاستسلام ستواجهه معارضة الكبراء والطغاة وأصحاب السلطان الموروث، ذلك أنه سينزع عنهم رداء الألوهية الذي يدعونه ويرد الألوهية لله تعالى حين ينزع عنهم حق الحاكمية والتشريع والحكم بما يشرعونه هم للناس مما لم يأذن به الله.
وستواجهه معارضة أصحاب المصالح المادية القائمة على الاستغلال والسحت والظلم، ذلك أن شريعة الله العادلة لن تبقي على مصالحهم الظالمة.
وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والأهواء والمتاع الفاجر والانحلال ذلك أن دين الله سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها، وستواجهه معارضة جهات شتى غير هذه وتيك وتلك ممن لا يرضون أن يسود الخير والعدل والصلاح في الأرض.
علم الله سبحانه أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه هذه المقاومة من شتى الجهات وأنه لا بد للمستحفظين عليه والشهداء أن يواجهوا هذه المقاومة وأن يصمدوا لها وأن يحتملوا تكاليفها في النفس والمال فهو يناديهم (فلا تخشوا الناس واخشون) ، فلا تقف خشيتهم للناس دون
(1) أصناف الحكام وأحكامهم للدكتور عمر عبد الرحمن / 59 - 61.
(2) راجع كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله في الباب الثاني - مسائل الإيمان - المسألة الخامسة.