عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.
والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى بلا استثناء وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة.
ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة فإنه أي السلطان إما أن يكون حكم بها وهو جاهل فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة، وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية فهذا ذنب تناله التوبة والمفغرة وإما أن يكون حكم بها متأولا حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء أو أمر بأمر جاحدا لحكم من أحكام الشريعة أو مؤثراً لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام فذلك لم يكن قط فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز إليه.
فمن احتج بهذين الأثرين في غير بابهما وصرفهما إلى غير معناهما رغبة في نصرة سلطان أو احتيالا على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين. اه [1]
ولذلك يقول سيد قطب رحمه الله في كلام واضح صريح: فما يمكن أن يجتمع الإيمان وعدم تحكيم شريعة الله أو عدم الرضا بحكم هذه الشريعة، والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم مؤمنون ثم هم لا يحكمون شريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم، إنما يدعون دعوى كاذبة وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع (وما أولئك بالمؤمنين)
فليس الأمر في هذا هو أمر عدم تحكيم شريعة الله من الحكام فحسب بل إنه كذلك عدم الرضا بحكم الله من المحكومين يخرجهم من دائرة الإيمان مهما ادعوه باللسان، وهذا النص هنا
(1) عمدة التفسير، ج4/ 155 - 158.