فهذه الصورة الخبيثة الجاثمة على صدر الأمة ومقدراتها نريد، وهذا الحاكم الطاغي - بصفاته الآنفة الذكر - نريد، وفيه نقول: قد اجتمعت أدلة الكتاب والسنة، وجميع أقوال علماء الأمة المعتبرين - بما لا يدع مجالا للشك والتوقف أو التردد - على كفره كفرا بواحا ظاهرا، لا يتوقف في تكفيره إلا كل مرجف مغفل، أو جاهل أعمى البصر والبصيرة. اه [1]
وأختم كلامي عن الفرق بين حكام اليوم وبين من قيل فيهم كفر دون كفر بكلام الأستاذ محمود شاكر الذي نقله عنه أخوه أحمد شاكر رحمهما الله وهو كلام نفيس يبين صحة ما ذكرناه.
قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله في التعليق على أثر ابن عباس وأبي مجلز (لاحق بن حميد) ألتابعي:
اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة وبعد: فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون الكفر شريعة في بلاد الإسلام، فلما وقف على هذين الخبرين اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل بها ... إلى أن قال رحمه الله:
وإذن، فلم يكن سؤالهم - أي سؤال الخ وارج لأبي مجلز [2] عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله
(1) الطاغوت لمصطفى عبد المنعم حليمة / 82 - 83.
(2) خبر أبي مجلز أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ، ومختصره أن الخوارج قالوا لأبي مجلز - لاحق بن حميد الشيباني (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال نعم، قالوا: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) قال نعم، قالوا: أفيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: نعم هو دينهم الذي به يحكمون والذي به يتكلمون وإليه يدعون، فإذا تركوا منه شيئا علموا أنه جور منهم، فقد كان أبو مجلز يتكلم عن الحكام في زمن التابعين وهؤلاء الحكام لم يكونوا مبدلين لشريعة الله ولم يكونوا يحكمون بغير ما أنزل الله بل غاية ما كان فيهم بعض الجور والظلم والمعصية فلا يستوي هؤلاء مع الذين يجاهرون بالحكم بغير شريعة الله تعالى ويعتمدون من المناهج المصادمة لدين الله جملة وتفصيلا.