فهرس الكتاب
الصفحة 105 من 127

ومن الغريب أن كثيرا ممن يتكلم في هذه المسألة يورد - بقصد أو بغير قصد - من الآثار ما يدل على أن الكفر في هذه الآيات محمول على الكفر الأصغر مثل الأثر الوارد عن ابن عباس وابن طاوس وعطاء، ولا يورد أي أثر أو قول يدل على حملها على الأكبر مثل ما ورد عن ابن مسعود وعمر وعلي وجابر بن عبد الله والحسن وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والسدي والشعبي وغيرهم رضي الله عنهم، مع أن الآثار بحمل الكفر على الكبر أصح سندا وأقوى دلالة من الأخرى، والإنصاف يقتضي ممن يصنف أو يتكلم في هذه المسألة أن يورد كل ما ذكر فيها، ثم يتكلم عليه من حيث الرواية والدراية وهذه هي الأمانة في نقل العلم، ثم يكون الحق حيث تسوق الأدلة وتقود، لا أن يورد ما يوافق قوله ثم يكتم ما لم يوافقه، فإن هذا هو مسلك أهل البدع.

أما الآثار الواردة على خلاف ما ذكرنا، فقد قال ابن كثير رحمه الله: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به فهو ظالم فاسق، رواه ابن جرير ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب [1] .

وهذا الكلام إن كان صحيح السند إلى ابن عباس رضي الله عنه فإنه لا يصح حكما، فإن جحد أي من الأحكام الشرعية الثابتة كفر باتفاق الأئمة والعلماء، سواء حكم الحاكم بغير حكم الله أم لم يحكم.

فإذا جحد الحاكم حد الزنا أو السرقة ورده ولم يقبله فهو كافر معاند لله تعالى، ومن جحد تحريم الخمر أو الربا فهو كافر معاند أيضا لا يختلف أحد من العلماء قديما وحديثا في ذلك، فجحد الأحكام كفر سواء حكم بها أم لا، وهذا في سائر الأحكام ولا يختص بمسألة ترك الحكم بما أنزل الله، فلا يشترط في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله تعالى جحد أحكام الشريعة، إذ أن جحد الأحكام كفر بغض النظر عن الحكم بها من عدمه.

قال ابن تيمية رحمه الله: وأما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها

(1) تفسير ابن كثير، ج2/ 97، ط: دار الفكر.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام