ألا وهو استدلالهم بالآية {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22] ، وقوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] ، وحديث أسامة بن زيد¢. فنقول:

أ ـ نحن لا نُخالفكم في أن الإيمان يكون في القلب، وعلى أن أصل الإيمان هو في القلب، فإنا نقول بهذا بهذا لكننا نريد أن الأعمال من الإيمان، ونقول أن من فرغ منه الإيمان في قلبه راجع بلا إيمان أما من فرغ منه عمل الجوارح لسبب كالإكراه ونحوه فهذا عندنا لا يؤثر على إيمانه. لأن الله سبحانه وتعالى قد عذره كما مر في الآية الكريمة السابقة.

ب إثبات هذه النصوص كون الإيمان بالقلب، لا يلزم منها نفي أن تكون الأعمال داخلة في مسمى الإيمان. بل دلالة الآية والحديث على ضرورة كون الإيمان في القلب أنه هوالمحل.

4 مناقشة الدليل الرابع:

وهو قولهم أن الإيمان ضده التكذيب. نرده من وجوه:

أ إن هذا القول لا يصحُّ لا لغة ولا شرعاً. حيث قدمنا القول بأن الإيمان في معناه اللغوي زيادة على التصديق، وأن التصديق معنى من معاني الإيمان في مناقشة الدليل الأول ـ فمعلوم من النصوص الشرعية أن ضد الإيمان إنما هو الكفر كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] . فقابل سبحانه بين الإيمان والكفر دل على أنهما متضادان. ولم يجعل ضد الإيمان التكذيب أو الجحود فقط.

ب ـ إذا كان ضد الإيمان التكذيب والجحود والإنكار مع كونه لا يصح ـ، فكذلك يلزم أن يكون ضد الكفر التصديق، وهو باطل.

جـ ـ تصديق القلب خصصه الشارع سبحانه في أمور معينة كالمحبة والموالاة والبراءة والانقياد والخضوع وغيرها. فهذه الأمور هي أعمال القلوب قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] .

دلت هذه الوجوه على اقتران التصديق بالإيمان ومنع ترادفهما، وتخصيص التصديق ببعض الإيمان.