? في أواخر القرن الأول الهجري ظهرت مقالات الخوارج خاصة الأزارقة والصفرية، ومن هذه المقالات التي انتشرت بين المسلمين مسألة حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا، ومنزلته في الآخرة، حيث سلكت هاتين الطائفتين من الخوارج في تكفير مرتكب الذنب وعده كافراً مرتداً في الدنيا خالداً مخلداً في نار جهنم.
أقول في هذا الوقت كان الناس يسألون عن حكم هذه المسائل، وفي هذه الأثناء بذرت بذرة المعتزلة ونشأة فرقتهم.
فقد دخل رجل على الإمام الحسن البصري رحمه الله، وقال يا إمام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر تخرج عن الملة ـ وهم وعيدة الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة هذه الأمة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟!
فتفكر الحسن البصري رحمه الله في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطا الغزَّال: أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق الإيمان ولا كافر مطلق؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين.
ثم قام واعتزل إلى سارية من سواري المسجد يقرر ماجاء به على جماعةٍ من أصحاب الحسن البصري، منهم عمرو بن عبيد البصري القدري، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، فسُمّيَ هو وأصحابه معتزلة [1] .
(1) انظر الملل 1/ 255، الفرق 81 - 82، تاريخ المذاهب 1/ 124، المعتزلة بين القديم والحديث ص 104، الاعتقادات 34 - 38.