خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فمن استطاع أن يكون فصولاً فلا يكونن قاتلاً )) [1] .
فسألوه عن رأيه في الشيخين فذكرهما بخير، وسألوه عن ذي النورين عثمان فجعله مُحِّقاً في أول خلافته وآخرها، وعن علي قبل التحكيم، وبعده، فقال: (( إنه أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة ) )، فأخذوا عليه ذلك، فشدَّ عليه رجل منهم اسمه مسمّعٌ فقتله، فجرى دمه فوق النهروان إلى الجانب الآخر، ثم قدموا على أم ولده في منزله وكانت حاملاً، فقالت إني امرأة حبلى، ألا تتقون الله! فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها، وقتلوا جاريته [2] .
فاستنكر الناس منهم ذلك أشد الاستنكار وكانوا خارجين مع علي¢ إلى قتال أهل الشام فلما علموا بذلك تراجعوا وأشاروا على عليِّ أن يذهب إليهم.
أرسل إليهم الإمام علي من جهته الحرب بن مرة العبدي، فقال له أخبرني خبرهم وأعلم لي أمرهم واكتب إليّ بذلك على الجلية، فلما قدم إليهم قتلوه [3] .
فبلغ ذلك علياً فسار إليهم حتى بلغ النهروان، فلما اجتمع الصفَّان طلب منهم علي قتلة عبد الله بن خباب فقالوا نحن جميع قتلته، ونحن مستحلون دمه ودماءكم!!
فوعظهم الإمام علي ونصحهم قبل المعركة لكنهم قالوا لبعضهم لا تسمعوا له وتهيئوا للرواح إلى الجنة، والتحم الصفان، وكان يرددون: (( لا حكم إلا لله ) ).
وبرز حرقوص بن زهير لعليٍّ وقال: يا ابن أبي طالب ما نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة، وقال له علي: بل مثلكم كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 103، 104] .
وجعل أمير المؤمنين علي¢ رآيته مع أبي أيوب الأنصاري، وجعلها أمن لمن أراد التوبة منهم وأمره أن يقول:
(1) متفق عليه رواه البخاري 3/ 1318 كتاب المناقب، باب علامات النبوة رقم 3406. ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب نزول الفتنة كمواقع المطر رقم 2886. 4/ 2211.
(2) انظر البداية والنهاية 7/ 298، والفرق 51 - 52، ودار الفرق في تاريخ المسلمين ص 59.
(3) البداية والنهاية 7/ 198.