فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 220

والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت"فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عز وجل."

وقال ابن عباس هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقاله الحسن البصري، وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى"عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".

قلت [1] لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض، ويبعث راكبا إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فكل يقول لست لها حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول"أنا لها أنا لها"كما سنذكر ذلك مفصلا في هذا الموضع إن شاء الله تعالى، ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيردون عنها، وهو أول الأنبياء يقضي بين أمته، وأولهم إجازة على الصراط بأمته وهو أول شفيع في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم.

وفي حديث الصور أن المؤمنين كلهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته، وهو أول داخل إليها وأمته قبل الأمم كلهم، ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم، وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلا له، وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك، وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب السيرة في باب الخصائص ولله الحمد والمنة. ولنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان.

قال البخاري عن ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا. وعن عبدالله بن عمر: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم بموسى فيقول كذلك ثم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا"وهكذا رواه البخاري في الزكاة عن الليث بن سعد به. وزاد فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم. ... ثم ذكر رحمه الله أحاديث كثيرة في ذلك. ا. هـ [2] "

(1) أي ابن كثير

(2) تفسير ابن كثير (3/ 58 - 59) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام