وهل وجدوا سوى الأطفالِ جُندًا ... يخوضون الوغى كرًّا وفرًّا؟

جُيوشُ العُربِ تَشْغَلُها شُئونٌ ... أَجَلُّ من الصغائرِ وهي كُبرَى

وحسبُكَ للصليبيينَ كَيدٌ ... تُؤججهُ سَخَائِمُهُمْ فَيضْرَى

ثَعالِبُ في مُسُوحٍ خادعاتٍ ... وثوبُ الزيفِ عَنْهُمْ قد تعرَّى

أَفَاعٍ في تقلبِهَا المنايَا ... وتَنفثُ سُمَّها رجسًا وكفرَا

وأنهارُ الدماءِ بغير ذنبٍ ... تُراقُ وتُزْهقُ الأرواحُ غَدُرَا

ألم ترَ في وحوش الصرب منهم ... رؤسًا تقتضي بالحق كسرَا

لقد رفعوا الصليبَ لهم شِعارًا ... وللعدوانِ قد جعلوه سَتْرَا

كأنَّ الدينَ تقتيلٌ وذبحُ ... ولا يعدو طِلاءُ الدينِ قِشرَا

وهل هي ذي الحضارةُ أم تراها ... بغيًّا تَعْرِضُ الشهواتِ عَهْرَا؟

وترتكبُ الجرائمَ لا تبالي ... ولو حَصَدَتْ بها شوكًا وخُسْرَا؟

ومُرضعةُ الصغارِ إذا أَسَفَّتْ ... فكيف تكون للأجيال ظئرَا؟ [1]

وكيفَ نقيمُ للأخلاقِ صَرحًا ... إذا كانت من الأخلاقِ قفرَا؟

وفي الطرقاتِ تنتشرُ الضحايَا ... هَشِيمًا بينما الأنفاسُ حرَّى

وتصعدُ نحو بارئها لتشكو ... براعِمُ أينعتْ أَلَقًا وطُهرَا

ولم يشفعْ لها طَرْفٌ بَرِئٌ ... ولا وجٌه يُضئُ الليلَ بَدرَا

ولا أمٌ تَضمُ الطفلَ خَوفًا ... عليهِ وكُلُّهُمْ في القيدِ أسرَى

ولا شيخٌ تَعثرَ في خطاهُ ... ونَكَّسَ تحتَ وطءِ الظلمِ ظَهرَا

وتَنهشُ عِرْضَنَا الأعداءُ نهشًا ... ومن ذا في الجحيمِ يُطِيقُ صبرَا؟

وسِيَّانِ الحياةُ على هوانٍ ... وموتٌ بل ورودُ الموتُ أحرَى

ومن قبله قال أبو البقاء الرندي الأندلسي

فجائعُ الدهرِ أنواعُ منوعةٌ ... وللزمانِ مَسراتٌ وأحزانُ

وللمصائبِ سُلوانٌ يُهَونُها ... وما لما حلَّ بالإسلامِ سُلوانُ

أما الصنف الثاني المحروم من الشفاعة: (( وآخر غالٍ في الدين مارق منه ) )

(( غالٍ في الدين ) ): الغلو في الدين هو التشدد فيه في غير موضع التشدد، كما فعلت الخوارج وغيرهم من الفرق المبتدعة.

وفي الحديث: (( وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) ) [2] .

(1) الظئر: العاطفة على غير ولدها، المرضعة له من الناس والإبل.

(2) رواه النسائي في مناسك الحج باب التقاط الحصى (3007) ، وابن ماجه في المناسك (302) ، وأحمد في مسند ابن عباس (1754) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2680) .