وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَالظَّاهِر وَاَللَّه أَعْلَم مِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْل النَّار وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُلُودِ لا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلا يَحْيَوْنَ حَيَاة يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَسْتَرِيحُونَ مَعَهَا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا} وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوت فِيهَا وَلا يَحْيَى} وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَب أَهْل الْحَقّ أَنَّ نَعِيم أَهْل الْجَنَّة دَائِم وَأَنَّ عَذَاب أَهْل الْخُلُود فِي النَّار دَائِم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنْ نَاس أَصَابَتْهُمْ النَّار) إِلَى آخِره.
فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتهُمْ اللَّه تَعَالَى إِمَاتَة بَعْد أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّة الَّتِي أَرَادَهَا اللَّه تَعَالَى وَهَذِهِ الإِمَاتَة إِمَاتَة حَقِيقِيَّة يَذْهَب مَعَهَا الإِحْسَاس وَيَكُون عَذَابهمْ عَلَى قَدْر ذُنُوبهمْ، ثُمَّ يُمِيتهُمْ، ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّار مِنْ غَيْر إِحْسَاس الْمُدَّة الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا، فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِر كَمَا تُحْمَل الأَمْتِعَة وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَار الْجَنَّة فَيُصَبّ عَلَيْهِمْ مَاء الْحَيَاة وَيَنْبُتُونَ نَبَات الْحَبَّة فِي حَمِيل السَّيْل فِي سُرْعَة نَبَاتهَا وَضَعْفهَا، فَتَخْرُج لِضَعْفِهَا صَفْرَاء مُلْتَوِيَة ثُمَّ تَشْتَدّ قُوَّتهمْ بَعْد ذَلِكَ وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ وَتَكْمُل أَحْوَالهمْ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ لَفْظ الْحَدِيث وَمَعْنَاهُ.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّهَا إِمَاتَة حَقِيقِيَّة , وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيّ , وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسهمْ بِالآلامِ , قَالَ: وَيَجُوز أَنْ تَكُون آلامهمْ أَخَفّ فَهَذَا كَلام الْقَاضِي وَالْمُخْتَار مَا قَدَّمْنَاهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. ا. هـ [1]
قلت: والصحيح ما ذكره النووي ورجحه من أنها إماتة حقيقية، فلا حاجة لتأويل الحديث وصرفه عن معناه الحقيقي.
عن عمرو بن دينار قال: قال عبيد بن عمير: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يخرج أقوام من النار فيدخلون الجنة ) ).
قال: فقال رجل: يا أبا عاصم ما هذا الحديث الذي تحدث به؟
قال: فقال عبيد بن عمير: إليك عني يا علج؛ فلولا سمعه من يتبين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حدثته.
(1) شرح مسلم (1/ 1001 - 1002) .