وعندنا كلّ ما عَلِمَ اللهُ تعالى أنه يوجَد أرادَ وجودَه، سواء أمرَ به أو لم يأمُرْ، وما عَلِمَ أنه لا يوجَدُ لم يُرِدْ وجودَه، سواء أمرَ به أو لم يأمُرْ، فاللهُ سبحانه أرادَ الكفرَ من الكافر كسباً له قبيحاً مذموماً، وكذا في غيره من المعاصي. وإليه ذهب الأشعري.
تمسَّك المعتزلة بقوله تعالى: ?وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمَاً لِلعِبَادِ? [غافر: 31] ، فإنه نصٌّ في نفي إرادة الظلم، وعندكم هو مريدٌ للكلّ ظُلماً كان أو غيرَه، وبأنّ إرادةَ السَّفَه وما لا يرضى به والأمرَ بما لا يريدُ سَفَهٌ في الشاهد فكذا في الغائب.
ولنا قوله تعالى: ?فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً? [الأنعام: 125] ، أخبَرَ أنه يريدُ ضلالَ بعضٍ ويجعلُ ما به يحصُلُ ضلالُه، وهو ضيق القلب. وقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: ?وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ? [هود: 34] ، فإنه نصٌّ في إرادة الإغواء. وقوله تعالى: ?وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا? [الأنعام: 107] ، ?وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ في الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً? [يونس: 99] ، فعندهم اللهُ شاءَ عدمَ شِركِهم ومع ذلك أشركوا، وشاء إيمانَ مَن في الأرض وما آمنوا، وهو تكذيبٌ لله تعالى في خَبَرِه، وهو كفرٌ.